روائع مختارة | قطوف إيمانية | الرقائق (قوت القلوب) | رحيل رمضان.. وحال المسلم بعده

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > الرقائق (قوت القلوب) > رحيل رمضان.. وحال المسلم بعده


  رحيل رمضان.. وحال المسلم بعده
     عدد مرات المشاهدة: 3456        عدد مرات الإرسال: 0

أخي المسلم أختي المسلمة، ها هو قد ودعنا حبيب! وأي حبيب! إنه حبيب ألفناه وأحببناه، وكنا نردد عند قدومه قائلين:

مرحبًا أهلًا وسهلًا بالصيـام *** يـا حبيبًا زارنا في كـل عـام

قد ألفنـاك بحـب مفعـم *** كـل حب في سوى المولى حرام

فاقبل اللهـم منـا صومنـا *** ثم زدنا من عطايـاك الجسـام

لقد رحل رمضان بعد أن قضى المسلمون أيامه بالصيام، وأحيا الصالحون ليله بالقيام، رحل شهر الغفران والعتق من النيران.

رحل شهر رمضان الذي تفتح فيه أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب النيران، رحل شهر القرآن، شهر ليلة القدر التي هي خير وأفضل من ألف شهر، رحل بعدما سكنت فيه النفوس واطمأنت فيه القلوب.

دع البكـاء على الأطلال والـدار *** واذكر لمن بان من خل ومن دار

واذر الدموع نحيبًا وابك من أسف *** علـى فراق ليالٍ ذات أنـوار

على ليال لشهر الصوم ما جعلت *** إلا لتمـحيـص آثـام وأوزار

يا لائمي في البكـاء زدني به كلفًا *** واسمع غريـب أحاديثٍ وأخبار

ما كان أحسننا والشمل مجتمـع *** منا المصلي ومنا القانت القاري

وفي التروايح للراحات جامعـة *** فيها المصابيح تزهو مثل أزهار

شهر به ليلة القدر التي شرفـت *** حقًّا على كل شهر ذات أسرار

ومُنَزَّل الروح والأفلاك قاطبـة *** بإذن رب غفور خالـق باري

فيا تُرى بعدما رحل رمضان، كيف يكون حال المسلم والمسلمة؟ وكيف يستغلون أوقاتهم؟ وبماذا يتقربون إلى ربهم؟ فإن كان شهر الصيام قد رحل، فقد شرع الله الكريم -سبحانه- العديد من العبادات التي يتقرب بها المسلمون إلى ربهم سبحانه:

1- صيام النوافل بعد شهر رمضان، فمن أتبع رمضان بصيام ستة أيام من شوال كان كمن صام الدهر كاملًا؛ لقول النبي: "من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال كان كصيام الدهر"[1].

كما شرع الخالق -سبحانه- صيام ثلاثة أيام من كل شهر؛ لما رواه أبو هريرة t حيث قال: "أوصاني خليلي بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام"[2]. وصح عنه أنه قال: "ثلاثٌ من كل شهر، ورمضان إلى رمضان فهذا صيام الدهر".

وفي الصحيحين من رواية عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله: "صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله". قال أبو ذر t: قال رسول الله: "إذا صمت من الشهر ثلاثًا فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة"[3].

وسئل رسول الله عن صيام يوم عرفة فقال يكفر السنة الماضية والباقية، وسئل عن صيام يوم عاشوراء فقال يكفر السنة الماضية؛ فعن أبي قتادة الأنصاري t "أن رسول الله سئل عن صوم يوم عرفة قال: "يكفر السنة الماضية والباقية"، وسئل عن صوم يوم عاشوراء فقال: "يكفر السنة الماضية"، وسئل عن صوم يوم الاثنين فقال: "ذلك يوم ولدت فيه وبعثت فيه وأنزل عليَّ فيه"[4].

قال أهل العلم: وفي هذا الحديث دلالة على استحباب صيام يوم عرفة وصيام يوم عاشوراء وكذا صيام يوم الاثنين، وليس في الحديث ما يدل على الاحتفال بمولد النبي.

كما رغَّب رسول الله في صيام يوم الخميس كذلك؛ فعن أبي هريرة t عن رسول الله أنه قال: "تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم".

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله يتحرى صوم الاثنين والخميس". رواهما الترمذي بسند حسن. وقال: "أفضل الصيام صيام نبي الله داود، كان يصوم يومًا ويفطر يومًا".

ومن الصيام المستحب كذلك صيام شهر الله المحرم؛ لما رواه أبو هريرة t قال: قال رسول الله: "أفضل الصيام بعد رمضان: شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة: صلاة الليل". رواه مسلم، وروى أهل السنن بسند حسن عن أم سلمة -رضي الله عنها- أنها قالت: "لم يكن النبي يصم من السنة شهرًا تامًّا إلا شعبان يصله برمضان".

وأجر الصيام ليس مختصًّا برمضان بل إن الصائم له أجر عظيم على صيامه حتى في غير رمضان؛ لما رواه سهل بن سعد t أن النبي قال: "إن في الجنة بابًا يقال له الريَّان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد"[5].

2- قيام الليل: فإن قيام الليل مشروع في كل ليلة، فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم في معرض ثنائه على عباده المتقين: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 17، 18].

وقال I: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة: 16]. وقال الله تعالى لنبيه الكريم: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79]. وقد قال النبي لعبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: "نعم الرجل عبد الله، لو كان يصلي الليل". متفق عليه.

وفي رواية "يا عبد الله لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل فترك قيام الليل". وعن ابن مسعود t قال: ذُكر عند النبي رجل نام ليلةً حتى أصبح، قال: "ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه"، أو قال: "في أذنه"[6].

3- أما قراءة القرآن فمشروعة في رمضان وفي غير رمضان، وكما أن الصيام يشفع للصائم فإن القرآن يشفع لقارئه؛ لما رواه أبو أمامة الباهلي t قال: سمعت رسول الله يقول: "اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه"[7].

ولما رواه النواس بن سمعان t قال: سمعت رسول الله يقول: "يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما"[8]. وفضل تلاوة القرآن لا تخفى؛ فعن عبد الله بن مسعود t قال: قال رسول الله: "من قرأ حرفًا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف"[9].

4- التقرب إلى الله -تعالى- بسائر أنواع الأعمال الصالحة كصلاة الضحى وأقلها ركعتان ومن شاء زاد على ذلك، أما كون أقلها ركعتين، فلما رواه أبو هريرة t من وصية النبي له وذكر فيها ركعتي الضحى.

وأما جواز الزيادة على الركعتين فلما روته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله يصلي الضحى أربعًا ويزيد ما شاء الله"[10]. كما أن المسلم يتقرب إلى ربه بسائر أنواع الأعمال الصالحة كالسنن الرواتب، وبر الوالدين، وصلة الرحم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، والصدقة، وغير ذلك.

نعم، لقد رحل رمضان وقال القائل برحيله:

سلام من الرحمن كـل أوان *** على خير شهر قد مضى وزمان

سلام على شهر الصيـام فإنه *** أمان من الرحمـن كل أمـان

لئن كنت يا شهر الصيام منوِّرًا *** لكـل فـؤاد مظلم وجنـان

ترحلت يا شهر الصيام بصومنا *** وقد كنت أنوارًا بكل مكـان

لئن فنيت أيامك الزهـر بغتةً *** فما الحزن من قلبي عليك بفان

عليك سلام الله كن شاهدًا لنا *** بخير رعـاك الله من رمضـان

ثم يبقى أن يعلم كل مسلم ومسلمة أن رب رمضان باقٍ سبحانه، وأنه قد أمر عباده بعبادته من سن البلوغ حتى الوفاة، قال الله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99].

أسأل الله -تعالى- أن يرزقني وإخواني المسلمين العمل بما يرضيه، وأن يجنبنا ما يسخطه سبحانه، وأن يتقبل منا وأن يعفو عنا، وأن يدخلنا الجنة وينجينا من النار، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

[1] رواه مسلم.
[2] متفق عليه.
[3] رواه الترمذي بسند حسن.
[4] رواه مسلم.
[5] متفق عليه.
[6] متفق عليه.
[7] رواه مسلم.
[8] رواه مسلم.
[9] رواه الترمذي بسند حسن.
[10] رواه مسلم.

الكاتب: د. نهار العتيبي

المصدر: موقع المسلم